السلام عليكم ورحمة الله،
ومضت الأيامُ سريعاً وجاءت العشرُ الأواخر، العشرُ الحبيبة القريبة إلى قلوب المؤمنين.
مرحباً بالاعتكاف، حبيب جاء على فاقة، ليقول للإنسان المؤمن السائر: قف وتزوّد!
القلوب المؤمنة تحنّ إلى رمضان وحنينها إلى العشر الأواخر أشدّ، تجتهد في رمضان واجتهادها في العشر الأواخر أشدّ، تأسيّاً بسيّد ولد آدم محمّد صلى الله عليه وسلم، الذي كان إذا دخل العشرُ أحيا الليلَ وشدّ المئزرَ وأيقظ أهلَه.
لو نزَلتَ بكريم من أهل الأرض فإنه يكرمُك، فكيف حين تنزلُ بأكرم الأكرمين، الذي يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردّهما صفراً!
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤُك إن شيمتك الحياء
في الاعتكاف تُخبتُ القلوب وتلهجُ الألسُنُ بالذكر والشكر والدعاء وقراءة القرآن، وتسيلُ الدموع ندماً على ما كان من تقصير في حق الله أو اجتراء على حرمات الله، وتعزم القلوب عزماً أكيداً على التوبة والإحسان فيما يأتي من حياة بإذن مقدّر الحياة وواهبها عزّ وجلّ.
في الاعتكاف تسمو النفوس المؤمنة وتصفو، فتقترب من الملائكية حيث الطّهر والنقاء، حيث لا ذنوب، وإنما إقبال وإخبات في صلاة وتسبيح وتلاوة وذكر،
(فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها)!
إنها كرامة المكان وكرامة الزمان وكرامة الإنسان: المكان المسجد بيت الله الذي نعتكف فيه، والزمان العشر الأواخر التي نعتكف فيها والإنسان محمد صلى الله عليه وسلم الذي نعتكف تأسيّاً به. وجميعُ هؤلاء مكرَمٌ وكريم بإكرام وكرم الرب الكريم سبحانه وتعالى.
السكينة والهدوء بعيداً عن صَخَب الدّنيا ومشاكلها ومشاغلها نعمةٌ تذوقها القلوب المؤمنة كلّ عام في الاعتكاف فتعلم أن
(ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) وأنّه لابدّ للقلب المؤمن أن يمتلئ بحبّ الله عزّ وجلّ وأن لا يسمح للدنيا أن تغلبه على أمره وتبعده عن دربه وتشغله عن غايته.
معايشة الصالحين في الاعتكاف سبيل إلى أخوّة إيمانية عالية، ومعايشة كتب الصالحين في الاعتكاف سبيل إلى وصل الخير أوّله بآخره والدعاء لمن سَبَق من المؤمنين
(ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان).
الاعتكاف الحقّ هو اعتكافُ القلب أي عكوفه على الله وامتلاؤه بالله وانقطاعه لله وخلوّه من غير الله!
وفي الاعتكاف خيرٌ كثيرٌ، لا تحيط به كلماتُ عبد فقير!
لكلّ هذا نقول مع القلوب المؤمنة: مرحباً بالاعتكاف.
دمتم في أمان الله.